قمة ألاسكا بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين تمثل محطة مفصلية في مسار الحرب الأوكرانية، تحمل رسائل جيوسياسية معقدة وتوازنات دقيقة بين واشنطن وموسكو. اللقاء، الذي جرى وسط حضور كبار المسؤولين الأميركيين، يثير مخاوف أوروبية من تفاهمات على حساب أوكرانيا، بينما يراه الطرفان فرصة لبحث وقف إطلاق النار وملفات الأمن النووي.

في مشهد دبلوماسي استثنائي، انطلقت في جزيرة ألاسكا، مساء الجمعة، القمة المرتقبة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وسط ترقب عالمي لمعرفة ما إذا كانت هذه المحطة ستكون بداية تحول في مسار الحرب الأوكرانية. اللقاء الذي جمع الزعيمين وجهاً لوجه، وسط حضور كبار المسؤولين الأميركيين، جاء محمّلاً برسائل سياسية واقتصادية وعسكرية، في توقيت بالغ الحساسية على الصعيدين الإقليمي والدولي.

الدلالات الرمزية لمكان القمة

اختيار ألاسكا كمسرح لهذه القمة ليس صدفة، فالولاية التي كانت يوماً ما أرضاً روسية قبل بيعها للولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، تحمل رمزية جيوسياسية تعكس تداخل التاريخ بالمصالح الراهنة. قاعدة “إلمندورف ريتشاردسون” التي احتضنت اللقاء، لها سجل عسكري حافل من الحرب العالمية الثانية إلى الحرب الباردة، ما يضفي على المشهد بعداً استراتيجياً يذكّر بسنوات الصراع بين القوتين.

قراءة في الموقف الأميركي

ترامب، الذي لطالما تفاخر بقدرته على إنهاء الحرب الأوكرانية “خلال 24 ساعة” لو كان في السلطة، دخل القمة معلناً هدفاً واضحاً: التوصل إلى وقف إطلاق نار فوري. لكن تصريحاته حملت أيضاً رسائل تفاوضية مشروطة، إذ لم يستبعد الانسحاب من أي مسار دبلوماسي إذا لم تسر الأمور كما يريد.
إدراج وزراء الدفاع والخزانة والتجارة وكبيرة موظفي البيت الأبيض في القمة، يوحي بأن الملفات المطروحة ليست محصورة بالشأن العسكري، بل تشمل الأبعاد الاقتصادية والعقوبات ومستقبل العلاقات التجارية.

الموقف الروسي واستثمار اللحظة

من الجانب الروسي، بدا الكرملين واثقاً من موقعه الميداني بعد تحقيق مكاسب في ساحات القتال. التقدير بأن اللقاء قد يمتد لسبع ساعات، يعكس رغبة موسكو في استغلال اللحظة لطرح أجندة موسّعة، تشمل ليس فقط أوكرانيا، بل أيضاً ملف الحد من انتشار الأسلحة النووية، وهو ما لمح إليه بوتين قبل أيام.

المخاوف الأوروبية والأوكرانية

الغياب اللافت للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن القمة أثار قلق كييف وعواصم أوروبية، من احتمال أن يخرج ترامب وبوتين بتفاهمات “على حساب أوكرانيا”، خاصة في ظل الحديث عن إمكانية تجميد النزاع والقبول الضمني بسيطرة روسيا على أجزاء من الأراضي الأوكرانية.
مع ذلك، حاول ترامب تبديد هذه المخاوف مؤكداً أنه لن يبرم اتفاقاً نهائياً دون مشاركة أوكرانيا. ومشدداً على أن دوره يقتصر على دفع الأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات.

التحدي الأكبر: فجوة الثقة

رغم التصريحات الإيجابية، فإن القمة تصطدم بجدار من الشكوك المتراكمة. فالتجارب السابقة، مثل قمة هلسنكي 2018، أظهرت كيف يمكن أن تتحول هذه اللقاءات إلى مادة للجدل والانتقاد الداخلي، خصوصاً إذا بدا ترامب أقرب إلى الموقف الروسي من قراءة مؤسسات بلاده الاستخباراتية.

خلفيات دبلوماسية غير مثمرة

القمة تأتي بعد سلسلة محاولات تفاوضية بين روسيا وأوكرانيا في تركيا ودول أخرى، لم تحقق اختراقاً يذكر باستثناء صفقات تبادل الأسرى. ويبدو أن ترامب يحاول استعادة زمام المبادرة الدبلوماسية على طريقته، مستفيداً من توقيته السياسي الداخلي وحاجته لإبراز نجاح دولي.

السيناريوهات المحتملة لما بعد القمة

1. اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار: يفتح الباب لقمة ثلاثية تضم أوكرانيا، مع صياغة خريطة طريق للتفاوض.

2. فشل المحادثات: انسحاب ترامب وإعلان تجميد أي مسار تفاوضي جديد، ما يعيد الأمور إلى مربع التصعيد.

3. تفاهمات جزئية: تشمل ملفات إنسانية أو أمنية (مثل تبادل الأسرى أو تأمين مناطق مدنية) دون المساس بجوهر الصراع.

 قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين ليست مجرد لقاء بروتوكولي، بل اختبار لقدرة الطرفين على إدارة خلافاتهما العميقة، وسط ضغوط دولية وإقليمية هائلة. نجاحها أو فشلها سيترك بصمة مباشرة على مستقبل الحرب في أوكرانيا، وعلى شكل النظام الدولي في العقد المقبل.

أسئلة شائعة  

ما أهمية اختيار ألاسكا كمكان للقمة؟
تحمل رمزية تاريخية واستراتيجية، كونها كانت أرضاً روسية، إضافة إلى دورها العسكري البارز في الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.

هل يمكن أن تؤدي القمة إلى نهاية الحرب الأوكرانية؟
من المستبعد أن تنهي الحرب فوراً، لكنها قد تمهد الطريق لوقف إطلاق نار أو مفاوضات أوسع.

لماذا يقلق الأوروبيون من القمة؟
يخشون من اتفاق قد يكرس مكاسب روسيا الميدانية على حساب وحدة الأراضي الأوكرانية.